وأبدا لم ينته مسلسل العذاب، يقول سفيان مستحضرا بألم ما كان بغانا:
>كنت أمني النفس بلعب كأس إفريقية تاريخية، هي الأولى في مشواري الدولي، حضرت نفسي بمعية الفريق الوطني بشكل رائع، جهزت كل الأسلحة لأخوض معركة الإبداع وأخرج منها منتصرا، وكان الإنتصار الذاتي يعني لي بالأساس أن أقود الفريق الوطني بمعية زملائي إلى أبعد مدى، ولكن كان قدرا مقدرا أن أصاب، ولغاية الأسف لم تكن الإصابة بسيطة أو هنية، إنها كانت تحتاج بعد الكشوفات الطبية الدقيقة إلى الإبتعاد قهري وقصري عن الملاعب، وتصورت أنه سيكون بمقدوري أن أدرك على الأقل مباراة غانا، بعد أن إستحال علي لعب مباراة غينيا، إلا أن القدر كان أقوى مني فغيبني عن الملاعب ليس فقط للمدة التي إستغرقتها كأس إفريقيا للأمم بغاناو ولكن لفترة أطول من هاته وللأمانة، فقد وجدت في الفريق الوطني وأيضا في فريقي العين الإماراتي كل المتابعة الدقيقة التي جعلتني أتخلص تدريجيا من تداعيات تلك الإصابة التي تطلبت مني شخصيا الصبر والمصابرة··<·
وما كان سفيان علودي يتوقع أن تظهر له الأيام ما هو أعتى وما هو أشد، ما هو فوق طاقة لاعب حالم··
>بعد أن تخلصت من إصابة غانا، وعدت تدريجيا إلى قمة مستواي، وأذن ذلك ببداية عهد جديد مع العين وأيضا مع أسود الأطلس·· كان من سوء حظي أنني أصبت مجددا، وكانت الإصابة هذه المرة تستدعي خضوعي لعملية جراحية، وقد إرتأت إدارة نادي العين أن أعرض على أكبر الأخصائيين، فتوجهت إلى فرنسا وأجريت العملية·· وخضعت لمرحلة ترويض دقيقة، جهزتني بما فيه الكفاية لأعود إلى الملاعب محصنا من تكرار الإصابة في ذات الموقع··<·
رتب سفيان علودي نفسه للعودة إلى قلعة البنفسج ليسهم مع زملائه في مطاردة الألقاب، فنادي العين بما له من إمكانات لوجستيكية وبما له من فكر تدبيري تسويقي واحترافي، لا يمكنه إلا أن ينافس على الألقاب، وأبدا ما تصور سفيان علودي أن تتعطل حاسة الإبداع وتنزل على رأسه فؤوس الإصابة من جديد، يقول سفيان وكأنه يقرأ صفحة مؤثرة في كتاب حياته··
>بعد أن انتهيت من مرحلة الترويض، وعدت بأمر من الطبيب المعالج إلى الملاعب، ومع أول حصة تدريبية، بينما كنت حريصا على أن أقيس درجة تفاعل كاحل الرجل اليسرى مع حجم التدريب، شعرت بما يشبه الومضة في ركبة الرجل اليسرى، لنقل أنه أمر قريب من التماس الكهربائي، أفزعني الأمر، وتوقفت بعد أن عاودتني الحالة، وقررت أن أعرض نفسي مجددا على الكشوف الطبية الدقيقة، وفي كل مرة لم أكن أعثر على شيء بعينه وأزعجني الأمر··<·
عرض سفيان علودي حالته ولم يكن يعرف أنها من النوع النادر على أكثر من أخصائي، ذهب إلى حد طلب رأي الدكتورين هيفتي وعرصي، فقالا بضرورة إجراء جراحة منظارية، ورحبا بحضوره إلى الدار البيضاء وإخضاعه فورا لتلك الجراحة··
كان سفيان علودي أشبه بمن يحكي قصة غريبة، فصولها تتوالى وبها لمسة إثارة، يقول:
>قلت الأفضل لي أن أنتقل إلى باريس وأعرض الأمر مجددا على الطبيب الجراح الذي عالج إصابة الكاحل، وقد فعلت، وهناك بعد إجراء الفحوص الدقيقة سمعت ما أدهشني·· فقد أكد لي الطبيب أنني أشكو من تداعيات مرض وراثي في الركبة، ولحسن الحظ أنه ظهر في هذه الأونة التي كنت فيها معطلا عن الممارسة، فقد كان ممكنا ذات يوم·· مع تقدمي في السن أن تظهر الأعراض وتئن الركبة·· فكان ضروريا إخضاعي على الفور لجراحة عاجلة، وأمرت بعدها أن ألتزم الراحة وأستعمل العكازتين لشهرين كاملين، وأكتفى بترويض الرجل بالقيام يوميا بحركات محسوبة·· ويحظر علي أن أضع رجلي على الأرض أو أن أمشي عليها، وقد تنبأ الطبيب الجراح بأن أختصر زمن العلاج لصغر سني وأيضا لما أظهرته عند إجراء الجراحة الأولى من قدرة على تجاوز تداعيات هذه الجراحة··<·
وإن بدا سفيان علودي اليوم بقلب المؤمن بقدر الله مهيئا للخروج من النفق الطويل، فإنه يعود إلى الإقرار بأن من حظه أن حدث كل هذا الذي حدث له مع فريق العين، مع رجال مطبوعين بالإريحية، يقول:
>عندما أعود إلى نفسي في لحظات خلوة·· وأستعرض أنني إنتميت لفريق مثل العين، وعملت مع أناس من طبعهم فضيلة الوفاء والعطف الإنسانيين، فلو تعلق الأمر بفريق آخر لاختلف التعامل، فالفريق الذي يعطي اللاعب رواتب شهرية وامتيازات، يكون من الصعب عليه أن يهضم هذا العطل الطويل عن الممارسة، لذلك أقول مع نفسي أنني مرضي الوالدين، وأنا كل ما أسأل الله أن يعوضني به خيرا عن الذي تحملته بصبر المؤمن، إلا وأدين بكامل الفضل إلى إدارة نادي العين، إلى رموزه الكبيرة، إلى جماهيره الغالية، فقد احتضنتني·· صبرت علي، آزرتني في وقت الشدة·· وتلك خصلة ليست بالغريبة على أشخاص من طبعهم الوفاء الذي لا يثمن··<·
وقبل أن يكمل سفيان علودي مدة الشهرين، ليشرع خلال شهر ماي القادم في العودة تدريجيا إلى ملاعب التدريب، فإنه يفكر في معاودة السفر إلى باريس·· >أرى من الأفضل أن أزور الطبيب المختص ثانية لأعرض نفسي عليه، ولأخضع لكشوفات جديدة، تبرز مدى تطور الحالة، وأسأل الله أن تكون نهاية الأحزان··<·
ويبدي سفيان كامل الأريحية في الإشادة بما صنعه زملاؤه داخل نادي العين: >ما حققوه كان شيئا رائعا، لقد فازوا بلقبين في أقل من أسبوعين، وبتنا مؤهلين لخوض كأس آسيا للأندية البطلة، ونلاحق بإصرار لقب الدوري الإماراتي، ولو أن الأهلي ربح نقطا في مرحلة فراغ مر منها الفريق··<·
ولأن سفيان علودي وهو يلعب للرجاء وضع تراتبية للأحلام، بل وحدد أيضا وتيرة السير في طريق البطولة، فإنه يعود ليقول بقلب المؤمن بقضاء الله وقدره: >لا راد لقضاء الله·· فنحن نشاء وما نشاءه لا يكون إلا بإرادة الله·· لذلك أقول أنني عشت ما كان مقدرا علي، وسيكون من باب الوفاء ورد الدين، أن لا أفكر في الآتي من الأيام إلا في شيء واحد أن أعوض نادي العين ما ضاع في الفترة التي قضيتها مبتعدا قهرا عن الملاعب، وهي فترة ليست بالقصيرة