اتضح أخيرا أن لدى الملك محمد السادس رجلان، يعتمد عليهما في تطبيق أهم تصوراته في أكثر من شأن عام حيوي، يقف عليه حاضر ومستقبل المغرب والمغاربة، ونقصد بهما - أي الرجلين - فؤاد عالي الهمة ومنير الماجيدي، فالأول نجح في نزع جِلد رجل الدولة، الذي كان عليه في وزارة الداخلية، من موقع الرجل الثاني، رسميا، في حين كان هو المُقرر والمنفَّذ الحقيقي، لتخطيطات، مَن كانت تُسمى ب "أم الوزارات"، ليرتدي بسرعة، لا تتم إلا في بلد العجائب والغرائب المخزنية، جِلد "المناضل" السياسي، ثم ينصب خيمة بالمقاس المطلوب، "لكل الديموقراطيين" دون أن تتم محاسبته لا شعبيا، ولا برلمانيا، ولا قضائيا، عن التجاوزات الخطيرة التي اقترفها في مجالات حقوق الإنسان، خلال العشر سنوات، التي قضاها على رأس أقوى جهاز تنفيذي للدولة المخزنية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، وقائع المس الخطير بحقوق الإنسان عقب تفجيرات 16 ماي 2003، وغيرها من حالات الاعتقال التعسفية، ووفيات، وأعمال التعذيب الوحشية، في أكثر من قضية، عكست بعضها صحف مغربية في الإبان ...لذا يبدو أن لا بأس في ذلك، بالنسبة للكثيرين )سياسيين ومثقفين وفعاليات مجتمع مدني ونُشطاء أمازيغيين ) لاحظوا كيف يتساقط هؤلاء الأخيرين في هذه الأيام، تحت أقدام الهمة، مثل أسراب الذباب أمام قطعة سكر مُبللة ) ما دام أن الرجل يعتمر القبعة الملكية، حيث مرت اللحظة الخاطفة التي انتزع فيها بذلة السلطة التنفيذية المباشرة، ورماها أمام الجميع ملطخة بدماء ضحايا "العهد الجديد" محفوفة بالزغاريد والرقصات ( هل رأيتُم الأجواء الاحتفالية، التي مرت فيها ظروف الحملة الانتخابية للرجل، في عاصمة الانتخابات التشريعية الأخيرة، ونقصد بها بلدة الرحامنة؟) وارتداء غيرها، أي بذلة "السلطة النضالية"، ولمن شاء الضحك من هذا الجمع المُفارق له أن يفعل.
إن ثمة، ليس فقط صمتا عن التاريخ الأسود للرجل، بل هناك انخراطات لشخصيات سياسية وإعلامية ومثقفة، كانت محسوبة على أكثر من ضفة "يسارية ويمينية"، بل تنظيمات سياسية بقدها وقديدها، ودعاة "التمزغ" - نسبة للأمازيغية - ارتمت في سلة "كل الديمقراطيين"، ولا حرج على الجميع، فالزمن غير الزمن والناس غير الناس، ولا حياء في ... السياسة.
هكذا، إذن، يبدو أن "تراتكتور" الهمة سيسوي بالأرض، آخر ما تبقى للسياسة في بلاد المغرب الأقصى، من قوائم، لتُبنى على أنقاض هياكل خربة منخورة، تعود لما كان يُسمى أحزابا يسارية وديمقراطية وإدارية، حزب حاكم، شبيه بما هو متوفر لزين العابدين بنعلي في تونس، أو لحسني مبارك في مصر... وبذلك نعود إلى قواعدنا العربية، المتمثلة في خاصية الأحادية السياسية، واعتبار "التعددية الحزبية" التي هندسها الملك الحسن الثاني على مدى قرابة أربعة عقود، مجرد مُزحة ثقيلة، ويجب أن تزول بأسرع ما يُمكن، لأنها حسب "الدكاترة" الذين يجسون نبض جثة السياسة المغربية، لفائدة الماسكين الجدد بمقاليد الأمور، لم تعد سوى عبارة عن شيء نَتِن تجدر مواراته الثرى.
وبطبيعة الحال، فإن الحساب عن كل ذلك الوقت الضائع في "تعددية حزبية" أصبحت ليس فقط مثار سخرية، بل شفقة أيضا، ليس من بين مكونات جدول أعمال حفاري قبر جثة الحسن الثاني الحزبية، إذ من شأن ذلك وضع النظام الملكي برمته محل سؤال ومُحاسبة، وهذا غير مطلوب بتاتا.
إن فؤاد عالي الهمة يسهر على زوايا الإطار العام وتفاصيله الدقيقة، ويبدو من خلال عمليات الإخراج أنه "يزطط" الأمر بأخف الأضرار، وذلك في اعتقادي الشخصي، لأنه عرف جيدا كيف يضع بينه وبين "وسخ الدنيا" مسافة مناسبة، بما يكفل له حرية أكبر في التحرك على أكثر من واجهة، منها مثلا أنه استطاع حضور أكثر من محفل إعلامي، نذكر منه مثلا، ندوة حسان الشهيرة، قبل بضعة أشهر، دون أن يخشى الوقوع في مطبات تتصل بعلاقة "غرام" بينه وبين الثقوب الكثيرة، القريبة منه، في سلة المال العام، حيث فضَّل، كما أفادت بذلك العديد من المعطيات، أن يترك مساعديه الأقربين، يتوزعون على أكثر من مجال تدبيري واقتصادي، وأثرياء "مُحترفون" على الطريقة المغربية، بينما يتفرغ هو لتسوية هندامه السياسي "النضالي" الجديد. وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن ثمة العديد من أثرياء المخزن، سواء قُدماء أو جددا، استُنزفت جيوبهم بدون رحمة أو شفقة، لتمويل الطموحات السياسية لصديق الملك، ومنهم مثلا الثري السوسي عزيز أخنوش، الذي مُنِح وزارة الفلاحة في حكومة عباس الفاسي، تعويضا له على تفانيه في خدمة "برامج" المخزن في شتى المجالات السياسية والاقتصادية" غير أنه وحسب معطيات نادرة جدا، فإن الثري أخنوش انتبه في غمرة نشوته بمنصب وزاري لم يكن يحلم به، إلى أن "صديقه" الهمة "خوا ليه الشكارة" لذا فهو - أي أخنوش - شعر ب "القالب" ويعيش حاليا ظروفا نفسية عصيبة، بلغت حدتها أن النوم لا يجد طريقا لجفنيه سوى بفضل دستة أقراص التنمويم التي يبتلعها.
هكذا استطاع الهمة القفز فوق مأزق "وسخ الدنيا" أما زميله في تصريف التصورات الملكية، في مجالات المال والأعمال و ... أخيرا فقط الرياضة، ونعني به محمد منير الماجيدي، فوقع في مصيدة ما يُمكن تسميته بسوء "القبول" بمعناه الدارجي، لدى الصحافة والرأي العام.
حيث قضى "لكتاتبي ديال الملك" دهرا، طويلا في صمت مُطبِق، لينطق في الأخير كفرا مبينا، إذ بعدما تجاهل كل النعوت القدحية، وأصابع الاتهام التي جعلته، بفضل المعطيات التي تسربت عنه "سيد اللوحات الإشهارية" كما لقبته أسبوعية "لوجورنال"، ولاهفا لأرض عمومية بتارودانت بأبخس الأثمان، ومتزاحما مع أرامل الحرب والمعوزين على "كَريمات" النقل.. وأخيرا تهمة الترامي على أرض عمومية بالرباط بغاية تشييد مركب رياضي تجاري لفريق الفتح الرباطي. بعد كل هذا السجل "الحافل" قرر الرجل الخروج عن صمته، ليس بالرد على الاتهامات المُوجهة إليه، بل بتوزيع القضايا المرفوعة ضد الصحافة يمينا وشمالا، كيفما اتفق. والنتيجة أنه - أي الماجيدي - يوجد "في حيص بيص" بتعبير إخواننا المصريين، وربما يتمنى أن يأمره سيده وولي نعمته، أي محمد السادس، أن يحزم حقيبته مرة أخرى ويذهب في عطلة أخرى إلى إحدى جزر الكارايبي أو الباهاماس، كما مثلما حدث عقب اندلاع فضيحة هكتارات تارودانت.
الماجيدي اعتقد دائما، أن تطبيقه لتصورات الملك، ووجود هذا الأخير خلف المشاريع والخطوات التي يأتيها، يُعفيه من المسؤولية، وبالتالي ما عليه إلا أن يلزم الصمت إزاء الهجومات التي يتلقاها، لكنه فهم أخيرا فقط، أن عليه أن يخرج من جُحره ليدافع عن نفسه، وإلا "غادي يهزو الما ويضربو الضو" وكذلك كان حيث أقدم بفضل "كلاب الكَرنة" المحيطين به، وهم شرذمة صحافيين متملقين، ممن احترفوا "لحيس" مؤخرة المخزن ورجاله، على عقد ندوة صحافية، أعلن من خلالها أنه سيجرجر دستة صحف أمام المحاكم، مما جعل بعض مدراء هذه الأخيرة، ومنهم "الدري ديال العدالة والتنمية" الخلفي الذي ضرط من خلفه، وقيل أنه تبرز أيضا، فسارع إلى الاعتذار لكاتب الملك. أما القيادي الاتحادي "المخزَّز" عبد الهادي خيرات، مدير جريدة الاتحاد الاشتراكي، فاختار في البداية الطلوع للجبل، لكنه سرعان ما عاد متدحرجا، مثل برميل نبيد مُعتَّق، بعدما تجاهل في البداية، وهو السياسي الحزبي المُتمرس، أن "اللعب" أكبر من الماجيدي. فسارع إلى رفع الحظر في مجلس مدينة الرباط، شأنه في ذلك شأن باقي مكونات هذا المجلس الذي يرأسه رجل البصري القديم، الثعلب عمر البحراوي.
وللأسف الأسيف الأسوف، فإننا نحن المغاربة، نحب النفاق حبا جما، لذا فسنشبع سبا وذما في الرجلين - أي الهمة والماجيدي - متجاهلين في خُبث أنهما مجرد خادمين مخزنيين، يأتمران بأوامر الملك.. أوامر من قبيل أن يقول هذا الأخير لصديقه ( هل هناك صداقات حقيقية في عالم السياسة؟ ) الهمة: "شوف أصاحبي راك طلعتي ليا فراسي فهاديك الوزارة ديال الداخلية، نوض دير شي حزب باش نوريو لداك العباس الفاسي واليازغي وغيرهوم كيفاش كتدار السياسة ". وأن يقول، على سبيل المثال دائما لصديقه الآخر منير الماجيدي: "شوف أذاك خينا، راك جبدتي علينا النحل، ماخليتيناش نقضيو الأمور مستورة، نوض تحرك صفي الأمور ديالك مع دوك الرباعة ديال الصحافيين.
هل يُمكن القول إن فشل الهمة والماجيدي، هو فشل لبرامج الملك، في المجالات التي خاض فيها اثنان من أقرب مساعديه