وفاء العجوز أبكاني!!!
كنت في رحلة ذات يوم ركبت الباص وجلست في المقعد الأول، كان هناك إحساس يخالجني منذ بداية الرحلة، شعور غريب يستحوذ على تفكيري وقلبي.
تحرك الباص وبعد تحركه ببرهة توقف ليركب معنا شيخ عجوز وزوجته، جلس العجوز بجانبي بينما جلست زوجته في المقعد المقابل.
همست في داخل نفسي كم هما رائعان!!
واستأنف السائق الرحلة من جديد، بدأت العجوز تقول: يا أبا إبراهيم هل تناولت العلاج ،،
ضحك أبو إبراهيم فقال :نعم وأخذ ينظر إلى ويقول: هكذا هي أم إبراهيم دوما تسألني عن العلاج خاصة إذا كنت بجوار فتاة حسناء
ضحكت فقلت: هنيئا لك سيدي غيرة أم إبراهيم وحبها.
ابتسم ابتسامة تدل على طيبة قلبه، ثم أخذنا نتجاذب أطراف الحديث، وبالطبع كان الحديث في مغلبة عن أم إبراهيم . لقد كنت ألمح في عيون أبو إبراهيم وحديثه حبا كبيرا لام إبراهيم يضمه بين جوانحه.تحدث هذا العجوز عن قصة زواجه بأم إبراهيم كما تحدث عن أبناءه وأخبرني عن سبب سفرهما اليوم وهو استقبال ابنهما الدكتور محمد، وامتد الحديث بيني وبينه فسألته : كم لديك من الأبناء؟؟
فأجاب: هم أربعه إبراهيم المهندس، وليلى الطبيبة ، وحسام الطيار وأخرهم محمد الطبيب لقد سافر للخارج لتحضير الماجستير وهاهو يعود اليوم. فقلت ما شاء الله ، من المؤكد يا سيدي أن زوجتك امرأة رائعة استطاعت أن تجعل من أبناءك يتوجهون توجه صحيح في اختيار مهن مرموقة ومحترمة في مجتمعنا. فقال هذا العجوز والشوق يدفعه في التحدث عن أم إبراهيم وفضلها: بل هي أكثر من رائعة لقد ربت أبنائي منذ الصغر على طاعة الله فشبوا طائعين لله ثم لنا.
وأستمر العجوز يتحدث عن مناقب زوجته ويعدد محاسنها وكأنه يقول: من يضاهي أم إبراهيم ومن يفوقها!!
سار الباص بسرعة شديدة ثم توقف ، فنزل الركاب وهاأنا المح أبو إبراهيم يبحث عن فاتنته وملاك قلبه . نظرت هذه المرة لأم إبراهيم عن قرب فوجدتها سيدة عادية جدا ليست بفاتنة الملامح ولكني لمحت الحنان والعطف ينبع من محياها. انتظرنا برهة حتى أصلح السائق الباص وعاد الجميع إلى مقاعدهم. واستأنفنا الرحلة من جديد، بدأ البعض ينام إلا أنا والعجوز فلقد كنا نتحدث، وفجاءة وبدون سابق إنذار حدثت هزة عنيفة لا ادري ماذا حدث كل ما شعرت به ارتطام قوي قلب الباص رأسا على عقب كنت أنا وأبو إبراهيم
من نجونا برضوض وكدمات بسيطة، أخذ أبو إبراهيم يبحث عن أم إبراهيم علة يجدها سليمة وأخذت أبحث معه وسط الأشلاء المتناثرة .وبعد فترة وجدت أبو إبراهيم جاثيا على ركبتيه وبالقرب منه أم إبراهيم تحتضر وتلفظ الشهادة. فخرجت تلك الروح الطاهرة وهي تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ، بكى العجوز وتساقطت دمعاته على تلك الجثة الهامدة وهو يردد من سيسأل عن أخباري وصحتي ومرضي ودوائي بعدك يا أم إبراهيم . نظرت إليه وعيوني تذرف دمعاتها احترت بأي عزاء اعزيه فلم أملك إلا الصمت .وصلت سيارة الإسعاف لنقل المصابين إلى المستشفى وكنت أقل الجميع ضررا .
جاء أخي ليراني دامعة العين فذهب إلى الطبيب ليسأله عن حالتي الصحية فطمئنه وأخبره أني اقل المصابين إصابه، وبعد فترة من البكاء أخبرت أخي ماذا حدث وطلبت منه أن يستقصي عن أخبار أبو إبراهيم ، وفي اليوم التالي جاء أخي ليقول: لقد ذهبت للعزاء في أم إبراهيم فوجدت أبو إبراهيم يبكي ألما حتى إذا جاء موعد دفن أم إبراهيم في غياهب القبر لتسكن في مثواها الأخير ،، سقط مغشيا عليه لتخرج روحه إلي خالقها ، أخبرني أخي وهو يبكي لشدة تأثره فتساقطت دموعي وقلت: رحم الله أبو إبراهيم وأم إبراهيم فلقد كانا نعم الزوجين المخلصين.
ــــــــــــــــــــــ هذه القصة دعوة للوفاء الذي يفتقده مجتمعنا وماهي إلا خيال أدونه.