ينتهي اليوم في مدينة حماه عند الساعة الرابعة بعد الظهر فترى الأهالي يتحركون بسرعة غير معهودة كلا إلى بيته فالباعة يغلقون حوانيتهم و الحرفييون يقفلون مشاغلهم و سائقوا التاكسي يصرعونا بمنبهات سياراتهم والموظفون يمدون خطاهم هذا المشهد كثيرا ما نراه في الساعة الاخيرة ما قبل المغرب في رمضان . ولكن اليوم ليس السبب في هذه الحركة المتسارعة الوصول الى البيت من أجل إفطار رمضاني شهي .إنما خوفا من القتل الذي يجوب البلاد خبط عشواء أعمى وأصم و يده ثقيلة على الروح .
ما أن يصل المواطن الى بيته حتى يقوم بجردته المعهودة فيتفقد أهل بيته ثم يسأل عن أقربائه عبر هاتف قد يكون غير مقطوع و من ثم يسأل عن جيرانه و نادرا ما ينام مطمئنا عن هؤلاء مرتاح البال لسلامتهم ، لأنه وعلى مدار الساعة تصدمه الانباء عن شهيد هنا و جريح هناك ومعتقل هنا ومهان هناك . و بيت محروق وأخر منهوب أومخروب .الشيء المريح في هذه اليومية هو أن المواطن يعرف القاتل و المقتول و الطاعن و المطعون والحابس والمحبوس والمهين والمهان و الحارق و المحروق و الناهب و المنهوب .
يقبع أمام التلفزيون شاخصا عينيه مقلبا من نشرة أخبار إلى أخرى و من برنامج سياسي إلى أغنية ثورية و قلما يستمر العرض دون انقطاع للتيار الكهربائي . و عندما يبدأ التكرار يجلس صاحبنا يفرك الدقائق و الساعات يشغل نفسه بتفقد زجاج النوافذ كمشاريع للإصلاح فهذا ثقب طلقة و ذاك تحطم انفجار فيقرر تأجيل إصلاح الثقب من أجل تركيب زجاج النافذة المحطمة .
خلال كل ما مر على صاحبنا الحموي لم ينقطع أزيز الرصاص ولا دوي القذائف العمياء ولا لمعان القصف و بالرغم من كل هذا ينام ليحلم بيوم ينتظره يعمه ضجيج فرح الانتصار . ولكن ما أن ينبلج الصبح ويفتح عينيه يعد أضلاعه ؛ أصابعه ؛ أطرافه ؛ يتفقد من جديد أفراد أسرته وأقربائه و جيرانه والرزق .