مرت عشرة أشهر على الثورة السورية والشعب السوري البطل يئن تحت نير بطش نظام الأسد ، الذي أثخن في الأرض فأعمل القتل والتقطيع والتنكيل والتعذيب والنهب والاعتقال في شعب أعزل حمل صوته مدويا في عنان سماء الوطن . فاستهدفته كتائب الأسد المؤلفة من عناصر الأمن والشبيحة و فريقاً من الجيش السوري العقائدي بالمعنى السلطوي للبلاد ؛ يرفدها بعض عناصر من الجيش الثوري الايراني وحزب الله اللبناني وبعض القناصة التي استقدمت من دول أسيا الشرقية متسلحة بكافة أصناف الأسلحة ، الثقيلة والخفيفة ، البرية والبحرية والجوية . حيث رقصت على جثامين الشهداء وعبثت في أعضائها ولوثت دمها . وسخرت من مطلب الحرية لدى الثائرين المعتقلين . كما حاولت توريط الشهداء وهم من أهل الآخرة بدس الأسلحة بين جثامينهم الطاهرة .
وبعد طول صراخ واستصراخ لأحرار العالم ،استفاق هذا الأخير ، على حشرجات الأرواح ، وتشييع الشهداء ، وتناهيد الثكالى ، وأنين الجرحى و المظاليم . حاملا مشجب حقوق الانسان سلاحا . ملوحا بتصاريح سياسية تارة ونارية تارة أخرى ، وجميعها كانت تتلاشى عبر الأثير . ومن ثم سلمت الحالة السورية إلى الجامعة العربية ، ذات الخبرة الضحلة في قضايا الشعوب وحقوق الانسان ، باعتبارها التجربة الأولى لها في هذا المضمار . كما أنها و منذ نشأتها كانت جامعة للأنظمة ، يلزمها ربيعا أكثر عصفا من ربيع الشعوب ، فجميع أعضائها تمثل الأنظمة العربية الدكتاتورية الاستبدادية وبالتالي فإن قراراتها لا يمكن إلا أن تصب في خدمة ومصلحة الأنظمة دون الشعوب . وبعد أخذ ورد ومهل شتى كثر فيها القتل وتفجرت أنابيب الدم الطاهر في أرض هذا الوطن . مهل كما شاء النظام الحاكم وحسب حاجته لإخماد الثورة . والعالم يشاهد جرائمه في كافة وسائل الاتصال، ليطفو على السطح قرارا بتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية . بالإضافة إلى بعض العقوبات الأقتصادية التي سرعان ما ميعت من قبل بعض الأنظمة العربية . ودخلت الجولة الثانية من المراوغات والمكر الصريح خرجت إلينا الجامعة بورقة عربية كان يتم تعديلها كل يوم بل على مدار الساعة عبر الهاتف بين الأمين العام للجامعة والنظام السوري . وفي كل شهقة وزفرة كان النظام يطالب بالمهل ويمنح بها ويذبح . ونحن ندفع أثمانا باهظة لتلك المهل إلى أن اكتملت الورقة العربية المليئة بالثقوب . التي استطاع النظام السوري توسيعها لتصبح أنفاقا مظلمة لا يمكن الخروج منها. ثم فصل بروتوكولا عربيا يليق بالورقة وعلى مقاس النظام السوري الذي وقع عليه بعد أن علم أن الجنرال الدابي ذو السجل الحافل بالاجرام السياسي هو من سيترأس المبعوثين العرب . وقد صرح الدابي مؤخرا أنه لم ير شيئا مخيفا في حمص كما لم يرالقناصة .
هذا البروتوكول العتيد ، سمح لحفنة من الأشخاص ليراقبوا تنفيذ النظام السوري ماورد في الخطة العربية . التي نص فيها على وقف العنف ، وسحب المظاهر المسلحة والأمنية من المدن والبلدات السورية ، والسماح للتظاهر السلمي دون قمع ، والإذن لجميع وسائل الاعلام بالتغطية الحرة للأراضي السورية .
وهكذا وقعت الثورة السورية بفخ الدبلوماسية العربية العقيمة التي شاهدت بأم عينها تلك المرأة الحمصية تحمل لافتة كتب عليه :
(( أغلقت الأبواب بوجوهنا ولم يبق لنا إلا بابك يا الله )) نتيجة للعزلة الدولية التي عانت منها الثورة السورية المجيدة .
فإلى من يرفع عقيرته محذرا من الإسلام السياسي . أقول : كفوا عن هرطقاتكم . فإن سوريا لوحة جميلة بألوانها الزاهية ، التي يغلب فيها اللون الأخضر . ومنذ الأزل وهي تزهو بألوانها ، وما خشيت قط المسيحية السياسية في الغرب . الغرب الذي لم يجرب الإسلام السياسي بل كان يجلده كل يوم ولم يعطه الفرصة عند العرب إسوة بتركيا . بالرغم من أن التاريخ حافل بما حضرالعرب في بلاد الفرنجة .
بعد كل هذا ثابرت الثورة السورية في سلميتها متحدية دكتتوريات العالم الظاهرة والمغلفة ، وأعتاها تلك المتجذرة في وطني أربعين عاما إبنا عن أب إلى الأبد .
ساعد الغرب الشعب الليبي في التخلص من القذافي وأسرته وكتائبه ، الذي وصف الشعب الليبي بالجرذان وطاردهم زنكة زنكة ودارا دار . بينما لم يقدم الغرب للثورة السورية سوى كلام المترددين و كتائب الأسد تفتك بالشعب السوري بدم بارد وتهزأ من كحل العيون في الجماجم المثقوبة . فلم يوفروا طفلا خربش على جدار مدرسته . ولا مسنا استاء الفساد . ولا دمعة أم ثكلى . ولا شابا قال لا .حتى الجرحى في المشافي لم تسلم بطش هذا الحاكم المستبد . ونرى الغرب يستضيف الطاغية في أهم المحطات التلفزيونية مع أشهر الصحفيات ومقد مي البرامج .
فأنكر أنه الملك المالك ، الوارث من أبيه سوريا بما فيها من حجر وبشر، واستعباد وخوف وضجر . آخذا العبودية السياسية لقاء الاستقرار ، هذه المعادلة التي حققها الأسد الأب حينما دك مدينة حماه على رؤوس أهلوها ، متذرعا بالتخلص من جماعة الإخوان المسلمين فقتل مايربو على أربعون ألفا . واعتقل وأخفى وهجر وأبعد واستبعد أكثر من مئتي ألف مواطنا حمويا . بهذه المجزرة التي بقي على ذكراها أياما قليلة ، سلب منا حافظ الأسد العبقري الشرير حريتنا فصرنا عبيدا له . وانتهك كرامتنا فأصبحنا خانعين صاغرين صامتين والأسد الابن يسير اليوم على طريق مورثه للقضاء على الثورة في درعا وحمص وحماة وإدلب وجبل الزاوية و ليعيد الخوف إلى مملكته بينما الديموقراطيات الغربية العريقة لم تتقدم خطوة واحدة باتجاه الثورة السورية ، سوى أنها والله شجبت واستنكرت وطالبت الرئيس السوري بالتنحي . واستنبطت افكارا لممرات آمنة ومناطق عازلة وحظر جوي لتحمي وتشجع بأفكارها العسكر المنشقون والمشكلون لجيش سوريا الحر . وأصدرت عقوابات إقتصادية حسبها كفيلة بانهيار النظام السوري . إلا أن ايران والعراق وقفت ضد هذه العقوبات الإقتصادية بالمرصاد فضختا الأموال والأسلحة والخبرات للنظام السوري لمساعدته في محنته .
بينما تركيا وزعيمها أردوغان الصديق الحميم لعائلة الأسود .نصحت الرئيس الأسد بالتخلي عن الحل الأمني واللجوء إلى الحل السياسي والإصلاح السريع إلا أن ذلك ذهب أدراج الرياح . فأعلنت موقفها الرافض لهذا النظام وطلبت من الاسد التنحي وإلا ستفعل وتفعل ثم مالبث أن اختفى صوتها ولم تسلم من حنق النظام لاستضافتها المعارضة .واستياء المعارضة من الوعود الكاذبة .
أما الولايات المتحدة الأمريكية فكانت وما زالت وجلة في أتخاذ موقفاً ثابتاً تجاه ما يحدث في سوريا . فراح مسؤولوها يتلاعبون بتصريحاتهم الجليدية تارة والحذرة تارة أخرى وتركت لسفيرها التعبير الحركي عن موقفها في الذهاب إلى مدن التوتر و المشاركة في طقوس التأبين مع نظيره الفرنسي دون ما تأخذ موقفاً عملياً من مشاهداتها للدم السوري يسفك هنا وهناك ، فكانت مدركة أن النظام السوري لا يمكن أن يقوم بأصلاحات جدية قد تنسف وجوده كما أنها غير واثقة من البديل الذي لم يقدم لها تعهداً بالقيام بالمهمات الواجب عليه تقديمها كما يقوم بها النظام الحالي ومنها حفظ أمن وأستقرار الكيان الصهيوني . هذا البديل الذي أوغل به كل الفساد والإفساد الذي قام به النظام السوري طوال عهده فجائت المعارضة اليوم مشتتة متفرقة متناحرة . في جوهرها أنتهازية زرعها النظام السوري . ولكن تماسك الثورة السورية جعلت واشنطن ترى في نظام دمشق رجل ميت يمشي وسينتهي كل شيء بشكل جيد دون اللجوء إللى خيارات صعبة .
العالم كل العالم لديه تصور أن الموقع الجيوسياسي لسوريا في أهميته تكمن خطورته . فهي محور منطقة الشرق الأوسط إن لم تكن قلبه حيث تقع بين العراق ولبنان . وبين الأردن وفلسطين المحتلة وتركيا . وكان الأسد الإبن أفضل لاعب قبل اجتياح الربيع العربي سوريا .وقد بدت فعالية ذلك حينما اعترضت الصين وروسيا على صدور قرار يدين الأعمال الإجرامية للنظام السوري .ولكي يستمر هذا الأخير في حكمه استعمل الكثير مما لديه من أوراق سقطت الواحدة بعد الاخرى فلن يفيده المكر والخداع ولا التقدمات و التنازلات ولا الكذب والرشى ولا التهديد والوعيد . وأضحى آيلا للسقوط على أيدي الشعب السوري دون منة من أحد .
وبينما أعد هذا المقال خرج علينا بشار الأسد في خطابه الرابع ليتقيأ ذات العبارات في خطاباته السابقة . فما زال يتكلم عن مؤامرة كونية تعصف بالبلاد منفصلا عن الواقع والتاريخ ، ينتقي من المعارضين من يحاوره ويشيطن بعضهم بعدما عرض التعاون معهم في ذات الخطاب ويخون الآخرين . ظانا نفسه الأستاذ الأول والفيلسوف الأول والآمر الناهي ، يزور التاريخ ويشوه الحقائق ويبحث عن أدلة القتل واستقلال الإرادة وهو غارق في وهمه . هاربا من تفاصيل الحالة السورية إلى زيتون البلاد . الجامعة العربية عنده انعكاسا للانحطاط العربي و نظامه فاعلا بها ! منكرا مسؤوليته عن القتل الحاصل في الشارع السوري ؛ فلا يوجد اي امر على اي مستوى لاطلاق النار على المحتجين . معتبرا ان اطلاق النار لا يتم الا في حالات الدفاع عن النفس ومواجهة المسلحين . مؤججا العنف محرضا على الطائفية . يأسه واضحا حين عبر عن استمراره في حله الأمني متلعثما في مصطلحاته السياسية محاولا تجنب حرف السين . أبى شرب الماء خشية انتقاده . فراح يبلع لعابه بين الفينة والأخرى . يمثل دور المتماسك بينما الانهيار واضح وجلي لاسيما وأن إسرائيل تتخذ الاستعدادات لسقوطه وتدفق لاجئين من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها على مرتفعات الجولان ؟
الرئيسية
التسجيل
رسالة sms