عتبة (2) رسالةُ حب..

بقلم: الباحث ابراهيم الحيسن

عتبـة:

-2-

رسالةُ حب

مرات عديدة تلك التي استقللت فيها الحافلة، أو السيارة ذاهبا من مدينة العيون.. وكنت، في كل مرة، كبقية الركاب أطل بعيني –خاصة إذا كان الوقت ليلا– على ضوء خافت ينبعث من جانب المحيط الأطلسي في نقطة كيلومترية حفظتها جيدا لأنها تأتي في منتصف الطريق بين لحظة الانطلاق ولحظة الجلوس على طاولات مقاهي "أخفنير"(5) لتناول الشاي أو الأكل.. ضوء، ربما، لم يكن يثير في دواخلي أي شعور، أو تساؤل وكان المكان طلل بال لا حياة فيه.

غير أن هذه الصورة ما لبثت أن تبدلت، بشكل انقلابي، عندما أتيحت لي قبل سنوات فرصة لزيارة هذا المكان بمناسبة تقديمي لعرض عن الفنون اليدوية الصحراوية. وكم كانت مفاجأتي كبيرة حينما رأيت أصالة الإنسان، وتنسمت عبق الحياة وفعل التاريخ الذي انطبع ببصمات الإنجليز والفرنسيين والبرتغاليين والإسبان وأهل الصحراء

تلك البقعة التي كثيرا ما أغفلتها الخرائط الجغرافية، وغيبتها الكتيبات السياحية.. وتحاشاها المستثمرون والنشاط الاقتصاديون.. ومع ذلك ظلت صامدة.. صامتة.. تنتظر التاريخ لكي ينصفها بعد أن أهملتها الجغرافيا (السياسية والاقتصادية).

إنها طرفاية مدينة العبور التي تعد من بين أقدم المدن الصحراوية على الإطلاق.. تقع هذه المدينة على نقطة استراتيجية من ساحل المحيط الأطلسي.. وتطل شامخة على مدينة العيون جنوبا.. ومدينتي السمارة والطنطان شرقا

طرفاية – التي تقف عفوية في استقبال زوارها ببساطة سكانها – مدينة تعيش على نفسها ولنفسها في صمت ناطق..ناطق بأصوات تعكس التنكر لماضيها المتعاظم.. وأيامها الخوالي المجيدة الراسخة في ذاكرة التاريخ

والواقع أن حيوية هذه المدينة – المضيافة – قد توقفت، فحالها يحكي انقراض عذوبة ونقاء هوائها.. وتضاؤل رائحة مكانها..كما أن جدرانها في تصدع وبريقها متثلم بسبب مهاجمة الرمال لها

طرفاية لمن لا يعرفها عنوان بارز للنسيان والإهمال مدينة غارقة في كثبانها (حتى الأذنين) بسبب الزحف اليومي للرمال.. مدينة تعيش على إيقاع التهميش والحرمان كما عبر عن ذلك لسان حال أبنائها في كثير من الأحيان

إن مدينة طرفاية أكبر من أن يُلتفت إلى واقعها المزري الذي لا يتناسب في أي شيء مع دورها وحضورها التاريخي في تصدي رجالاتها ونسائها لأطماع المستعمرين الأجانب وإفشال خططهم ونواياهم الكولونيالية الهدامة

ومن عبق هذا التاريخ الشاهد ملأت حقائبي ورحلت عن طرفاية تاركا إياها تعزف سمفونية الرمال.. تتألم لعزلتها القسرية وتشكو غربة ووحشية المكان.. وتلوم الزمن على تنكره لها.. ومع ذلك، فإنها بعثت معي رسالة حب إلى كل الضمائر والقلوب!!))

..

شكرا اخي على الموضوع
فقط اريد ان انبهك الى ضرورة تكبير الخط لقرائته

» رسالةُ العيد إلى رجالِ الشامِ الصناديد