هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي ( 363-449 هـ/973-1057 م)ولد في مدينة المعرة (معرّة النعمان ) شمال سوريا ونشأ في بيت علم ووجاهة، وأصيب في الرابعة من عمره بالجدري فكفّ بصره. درس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، مات أباه وهو في الرابعة عشرة من عمره، فقال يرثيه:
أبي حكمت فيه الليالي ولم تزل رماحُ المنايا قادراتٍ على الطعْنِ
مضى طاهرَ الجثمانِ والنفسِ والكرى وسُهد المنى والجيب والذيل والرُّدْنِ
رحل إلى حلب فقرأ النحو( في حلب) على يد الصاحب ابن خالويه حيث كانت الحركة الثقافية التي ازدهرت في ظل سيف الدولة , ومن حلب إلى أنطاكية، وكانت لاتزال تدافع عما بقي لها من تراثها البيزنطي، ومن أنطاكية توجّه إلى طرابلس الشام، ومرّ باللاذقية فأخذ عن بعض الرهبان ما وجده عندهم من علوم اليونان وآرائهم الفلسفية. ويدل شعره ونثره على أنه كان عالما بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار.
كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر. سافر في أواخر سنة 398 هـ إلى بغداد فزار دور كتبها وأخذ عن علمائها، وكانت بغداد في ذلك الوقت مجتمع علماء العصر في كل العلوم والفنون. لم يطل المقام بأبي العلاء في بغداد طويلاً؛ إذ إنه دخل في خصومة مع "المرتضي العلوي" أخي "الشريف الرضي"، بسبب تعصب "المعري" للمتنبي وتحامل المرتضي عليه؛ فقد كان أبو العلاء في مجلس المرتضي ذات يوم، وجاء ذكر المتنبي، فتنقصه المرتضي وأخذ يتتبع عيوبه ويذكر سرقاته الشعرية، فقال أبو العلاء: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قصيدته: "لك يا منازل في القلوب منازل"لكفاه فضلاً. فغضب المرتضي، وأمر به؛ فسُحب من رجليه حتى أُخرج مهانًا من مجلسه، والتفت لجلسائه قائلاً: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر تلك القصيدة؟ فإن للمتنبي ما هو أجود منها لم يذكره. قالوا: النقيب السيد أعرف! فقال: إنما أراد قوله:
وإذا أتتك مذمَّتي من ناقص فهي الشهادة لي بأنِّي كامل
وفي تلك الأثناء جاءت الأخبار إلى أبي العلاء بمرض أمه،فعاد إلى المعرّة سنة 400 هـ ليجد أمه قد لحقت بأبيه, فرثاها أبو العلاء بقصيدة تقطُر لوعة وحزنًا، وتفيض بالوجد والأسى.يقول فيها:
لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت أسباب دنياكِ من أسباب دنيانا
فاعتزل الناس إلاّ خاصة طلاّبه وخادمه وشرع في التأليف والتصنيف ملازما بيته، ودعا نفسه رهين المحبسين، أي حبسه عن النظر بعد عماه وانحباسه في منزله لم يغادره حتى توفي. إلا مرة واحدة، عندما دعاه قومه ليشفع لهم عند "أسد الدولة بن صالح بن مرداس" - صاحب حلب - وكان قد خرج بجيشه إلى "المعرة" بين عامي (417،418هـ = 1026،1027م)؛ ليخمد حركة عصيان أهلها، فخرج أبو العلاء، متوكئا على رجُل من قومه، فلما علم صالح بقدومه إليه أمر بوقف القتال، وأحسن استقباله وأكرمه، ثم سأله حاجته، فقال أبو العلاء:
قضيت في منزلي برهةً سَتِير العيوب فقيد الحسد
فلما مضى العمر إلا الأقل وهمَّ لروحي فراق الجسد
بُعثت شفيعًا إلى صالح وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع منِّي سجع الحمام وأسمع منه زئير الأسد
فقال صالح: بل نحن الذين تسمع منَّا سجع الحمام، وأنت الذي نسمع منه زئير الأسد. ثم أمر بخيامه فوضعت، ورحل عن "المعرة".
عقيدته
وقد أثارت عبقرية المعري حسد الحاسدين فمنهم من زعم أنه قرمطي، ومنهم من زعم أنه درزي وآخرون قالوا إنه ملحد ورووا أشعارا اصطنعوا بعضها وأساؤوا تأويل البعض الآخر، غير أن من الأدباء والعلماء من وقفوا على حقيقة عقيدته وأثبتوا أن ما قيل من شعر يدل على إلحاده وطعنه في الديانات إنما دس عليه وألحق بديوانه. وممن وقف على صدق نيته وسلامة عقيدته الصاحب كمال الدين ابن العديم المتوفي سنة 660 هـ وأحد أعلام عصره، فقد ألّف كتابا أسماه العدل والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري وفيه يقول عن حساد أبي العلاء "فمنهم من وضع على لسانه أقوال الملحدة، ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده، فجعلوا محاسنة عيوبا وحسناته ذنوبا وعقله حمقا وزهده فسقا، ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام، وحرفوا كلامه عن مواضعه وأوقعوه في غير مواقعه".
تلاميذه
درس على أبي العلاء كثير من طلاب العلم ممن علا شأنهم في العلم والأدب، ومنهم أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبو الخطاب العلاء بن حزم الأندلسي و أبو الطاهر محمد بن أبي صقر الأنباري وأبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي فلم نجد أحد منهم إلا مثنيا على علم المعري وفضله، معجبا بشدة فطنته وقوة حافظته، معترفا بحسن عقيدته وصدق إيمانه
آثاره
·رسالة الغفران
· ديوان اللزوميات
· ديوان سقط الزند
رسالة الصاهل والشاحج
· رسالة الملائكة
· رسالة الهناء
· رسالة الفصول والغايات
· يعتبر المعري من الحكماء والنقاد. توفي المعري عن 86 عاما ودفن في منزله بالمعرة.