في محطة الوقود التي لا تبعد إلا بأمتار قليلة عن مركب محمد الخامس، التقيت قبل ساعة من موعد مباراة الديربي بين الرجاء والوداد، برضا مكوار نجل عبد الرزاق مكوار رئيس الوداد البيضاوي الأسبق، لم يكن الرجل يتأهب وهو يملأ حقينة خزان وقود سيارته للتوجه إلى الملعب، بل كان يستعد لرحلة خارج المدينة يقطع فيها الاتصال مع العالم الخارجي.
قال رضا إنه اعتاد مقاطعة الديربيات لأنه لا يتحمل ضغوطها، فهو يغلق هاتفه النقال ويصادر صوت الراديو، ولا يلتفت صوب المقاهي خوفا من إشارات الديربي.
ليس رضا هو الوحيد الذي يقاطع رغم أنفه مباريات الغريمين التقليديين، فرئيس الرجاء عبد الله غلام لا يملك المناعة الكافية ضد مضاعفات مباراة مليئة بشحنات الضغط. الرجل يتابع الترتيبات التنظيمية عن بعد، وقبل انطلاقة المباراة يضع هاتفه المحمول والثابت خارج الخدمة، ويحرض المحول الصوتي على إلغاء كل الاتصالات الهاتفية، ولا يفتح خط التواصل مع العالم الخارجي إلا بعد مرور ساعتين، حينها يفتح نافذة غرفته ليرى ما إذا كانت أهازيج الرجاويين أو الوداديين الأقدر على فهم ما حصل على أرضية الملعب.
انتقلت العدوى إلى محبي الرجاء والوداد، فكثير منهم جعلوا موعد المباراة وقتا مستقطعا من حياتهم، خوفا على صمامات القلوب من وقع المواجهة.
مباشرة بعد نهاية مباراة ديربي الشبان صباح يوم الأحد، قرر كثير من مناصري الفريقين ركوب سياراتهم ومغادرة المدينة بدون بوصلة، وكأنهم هاربون من إعصار.
يحمل الديربي في أحشائه شحنة ألغام، جعلت الكثير من الأطباء ينصحون المصابين بارتفاع الضغط الدموي بمقاطعة المدرجات، خوفا من مضاعفات صحية لا ينفع معها فوز ميداني، بل إن الآفة وصلت إلى حد شعور اللاعبين أنفسهم بحجم الضغوطات الرهيبة. قال نبيل مسلوب لاعب الرجاء أنا مصاب بالاكتئاب، وتبين خلال المباراة أن اللاعب يحاول التخلص من أعراض آلام غير ظاهرة قبل أن ينهار ويغادر الملعب محاطا بطاقم طبي.
صرخة مسلوب لم يسمعها أحد لأن المسؤولين يرفضون الاستعانة بأخصائيين نفسانيين لعلاج الظاهرة، عن جهل تارة وتجاهل تارة أخرى، ولأن اللاعب نفسه يعتبر تحويله إلى مصحة للأمراض النفسية أشبه بتصنيفه في خانة الحمقى، ولأن دفتر التحملات الذي أعدته جامعة كرة القدم لا يعترف بالمعد النفسي كشخص أساسي ضمن الطاقم الطبي للفريق.
الفوز في الديربي لدى بعض الوداديين والرجاويين أفضل بكثير من الظفر بلقب، لأن الانتصار هو الذي يجعل هذا الطرف أو ذاك قادرا على مواجهة خصومه المحتملين في مقرات العمل وفي الشارع والمقهى والبيت، ويمنحه شعورا بالاستعلاء وقدرة على تحقيق فوز في مباريات الجدل التي لا تنتهي إلا بحلول موعد ديربي آخر.
الغريبالغريب في نازلة الديربي، أن يعيش أحد رجال الأمن نفس الإكراه النفسي، فقد طالب بإخلاء سبيله بعيدا عن بؤر التوتر، خوفا من صوت ينبعث من الطالكي وولكي يسافر بالبوليس إلى قلب الحدث،لكن باسم الواجب الوطني تسلح بالصمود وقرر قبول الحلو والمر، مع الاستعانة بأقراص منع الضغط.